اليوم، وبعد مرور أكثر من عام، على ذلك الحدث الذي قلب حياتها رأسا على عقب، تتذكر هديل ادريس، كيف تدبرت امورها طوال أشهر وهي لا ترى بعينيها، الى أن عادت اليها نعمة البصر من جديد تدريجيا .
وتقول ان أصعب لحظات كانت تمر عليها وهي تتحسس وجه وليدها الصغير. هديل، التي تعمل في مجال بيع المفروشات وتدرس حاليًا التصميم الداخلي للبيوت، تحدثت في مقابلة مع مراسل قناة هلا، معتصم مصاروة، عن تجربتها مع فقدان البصر وكيف استطاعت أن تتجاوز المحنة بإرادة قوية، قائلة "ما حدث معي قبل سنة تقريبًا أنني كنت حاملاً بابنتي، نمتُ واستيقظتُ ولم أعد أرى شيئًا. فقدتُ شبكية عينيَّ الاثنتين بسبب ضغط الحمل، فبقيتُ أربعة أشهر لا أرى، وخضعتُ لثماني عمليات أثناء حملي بابنتي، لكنها لم تتكلل بالنجاح. بعدها، بدأ نظري يعود تدريجيًا".
"علمتني هذه التجربة أن هناك الكثير من النعم التي منحنا الله إياها ونحن لا نقدّرها"
ومضت قائلة: "كانت أصعب أربعة أشهر مررتُ بها، لكنني تعلمتُ منها الكثير. ليس من السهل أن تقوم بالأعمال اليومية المعتادة دون أن ترى، أو ان لا تستطيع رؤية تفاصيل وجه ابنك، أو القيام بالأنشطة التي كنتَ تمارسها يوميًا. لكنني تحديت هذه الصعوبات، وبدأتُ أحفظ جدران بيتي تدريجيًا، أمشي مستندةً إليها خطوةً بخطوة، ولم أكن أقبل مساعدة أحد، بل كنتُ أعتمد على نفسي أغلب الوقت. ورغم صعوبة التجربة، إلا أنها كانت جميلة أيضًا، فقد علمتني أن هناك الكثير من النعم التي منحنا الله إياها ونحن لا نقدّرها، مثل نعمة الصحة، النظر، والسمع. اصبحنا نركز على تفاصيل صغيرة في حياتنا اليومية ونغفل عن الأهم. فبعد الصحة، لا شيء يفوقها أهمية".
"تعلمت من هذه التجربة الكثيٍر"
وأضافت: "تعلمتُ من هذه التجربة الكثير، وأعطتني قوة لأكمل حياتي دون أن يقف شيء في طريقي، رغم كل التحديات والصعوبات التي أواجهها. أبقى صامدةً دومًا، وأحيانًا أسمح لنفسي بالبكاء والتعب والحزن، لكنني في اليوم التالي أنهض من جديد".
"لم استطع رؤية ملامح ابني"
وحول الصعوبات التي مرت بها خلال فقدانها لبصرها، قالت هديل ادريس: "أصعب ما مررتُ به هو عندما كانوا يحضرون ابني إلى المستشفى وأنا غير قادرة على رؤية ملامح وجهه، أو عندما كان يتحدث معي ولم أكن أستطيع رؤيته. كنتُ أتحسس وجهه وأحاول تذكر ملامحه كي أخفف عن نفسي قليلًا، وكان ذلك في غاية الصعوبة. في الوقت ذاته، كان من حولي يحاولون مساعدتي، لكنني بطبيعتي امرأة لا تحب الاعتماد على أحد، بل أفضّل الاتكال على نفسي. لم أكن أقبل أن أشعر بالشفقة أو أن أتلقى المساعدة من أحد، حتى لو كانت نيّته صادقة".
وأشارت هديل الى انها تعلمت الكثير من الدروس والعبر من تجربتها، قائلة لموقع بانيت وقناة هلا: " تعلمتُ من هذه التجربة أهمية الاعتناء بأنفسنا وصحتنا، وأن نشكر الله على النعم التي منحنا إياها. لا يوجد شيء صعب مع الإيمان بالله، والثقة بأنفسنا وبقدراتنا. يمكننا تحدي أي ظرف نمر به، فبالقوة والإصرار يعود كل شيء إلى طبيعته، ونستمر في الحياة".
"أهم ما رأيته هو تفاصيل حياتي"
وبعد عودة بصرها تدريجيا ، تقول هديل : "الأمر كان مؤثرًا للغاية ومعبرًا جدًا، فقد كنت عاجزة عن رؤية الكثير من الأشياء، ثم عدت لأراها من جديد. أهم ما رأيته هو تفاصيل حياتي، أهلي، الأشخاص الذين أحبهم، وابني. كان ذلك تأثيرًا عميقًا أعاد لي الحياة من جديد، فمن الصعب جدًا أن تعيش دون أن ترى".
"الكتابة بالنسبة لي هي إحساس عميق"
وحول انخراطها في مجال الكتابة، قالت هديل: " الكتابة بالنسبة لي هي إحساس عميق، فهي الوسيلة التي أعبر بها عن مشاعري، خاصة عندما أكون حزينة أو غاضبة. في تلك اللحظات، تلجأ روحي إلى الكتابة دون تردد. أحيانًا، تأتيني الأفكار فجأة، سواء كنت في مكان معين، أو أسير في طريق ما، أو حتى أثناء وجودي في البيت، فأكتبها فورًا. الكتابة تسكنني طوال الوقت، فمنذ صغري وأنا أكتب، لأنها بالنسبة لي ليست مجرد كلمات، بل إحساس ومشاعر ". ومضت قائلة حول كتابها: " العاصفة هو كتاب يتناول تحدي المرأة، حيث يتحدث بالكامل عن النساء، وهو ضد الرجال ويركز على قوة المرأة وإرادتها وطموحها، وكيف تبقى قوية في مواجهة كل ما يمر بها".
"مشاكل النظر أثرت على تعليمي"
وقالت هديل : "مشاكل النظر أثرت على تعليمي لكن رغم ذلك، أواجه هذه التحديات وأتغلب عليها، حيث أحرص على الجلوس في الصف الأول لكي أكون قريبة من الشاشة وأتمكن من رؤية كل شيء بوضوح. وعندما أركز في التفاصيل وأبدأ في التصميم، أشعر بوجود فارق وأدرك أنني أواجه مشكلة معينة. أتعَب أحيانًا وأحتاج للراحة قليلاً، ثم أواصل العمل. الأمر ليس سهلاً، ولكنه صعبٌ وأنا أواجهه بتحدٍ وإصرار".
"في داخلي قوة، كنزٌ داخلي اعرفه جيدا"
وتابعت قائلة: "في داخلي قوة، كنزٌ داخلي اعرفه جيدا، وأنا أسير وراء هذه القوة بكل عزم. في كل مكان أضع فيه قدمي، أكون على قدر الشيء، ليس فقط في مجال عملي، بل في أمومتي أيضًا. أعيش حياتي بثقة وأمضي قدمًا في العمل الصحيح. كمصممة وكاتبة، في كل مكان أعمل فيه، أنا دائمًا على دراية بما أفعله".
"مجال المفروشات هو شغفي"
وحول عملها في مجال المفروشات، قالت هديل: "مجال المفروشات هو شغفي، وهو موضوع أحبّه. كنت أعمل في محل مفروشات منذ عدة سنوات، ثم بدأت في إدارة المحل تدريجيًا. بعد ذلك، قررت أن أفتح محلي الخاص، وفتحت المحل الذي مر عليه حوالي أربع سنوات. ما زلت أعمل في هذا المجال الذي يعتبر مصدر رزقي. أنا أحب عملي كثيرًا، فكل ما يتعلق بالأثاث، من صالونات وغرف نوم وطاولات سفرة، يجعلني متحمسة. لهذا السبب، قررت تعلم التصميم الذي له علاقة بالأثاث".
وأكدت هديل على "أن الذي يدعمني ويقف إلى جانبي هم أهلي، أبي وأمي وإخوتي، وهم الداعم الرئيسي لي في كل شيء وفي كل خطوة أخطوها. وقبلهم، أنا نفسي هي الداعمة الأولى لي".
"لا يوجد شيء مستحيل"
وقد وجهت هديل رسالة لكل امرأة تسعى لتحقيق أحلامها، قائلة: "رسالتي للمجتمع بشكل عام وللنساء بشكل خاص هي أنه لا يوجد شيء اسمه مستحيل. بالإرادة، كل شيء يصبح ممكنًا، وأي امرأة تمتلك الطموح والأهداف، فهي قادرة على تحقيقها والوصول إليها. وإذا كانت تحمل القوة في داخلها، فإنها قادرة على التحدي وتجاوز كافة الظروف المحيطة بها، وفي النهاية، ستصل إلى هدفها".