من أجل الجيبة والبيئة والمجتمع: كيف نقلّص من هدر الطعام ؟
ظاهرة هدر الطعام، خصوصًا في فترات الأعياد، هي ظاهرة تضر بجيوبنا جميعاً وخاصة أصحاب الدخل المحدود. فما هو الحل الذي يمكن للمشاريع المجتمعية أن تقدمه؟
صورة للتوضيح فقط - تصوير : Dina Saeed - shutterstock
الحد من هدر الطعام، هي فكرة تسعى إلى وضع حد لظاهرة رمي الطعام في القمامة في وقت يعاني فيه الناس من انعدام الأمن الغذائي. بحسب معطيات التقرير الأخير لمنظمة "ليكيت يسرائيل"، حوالي 37% من الطعام المنتج في البلاد - بوزن 2.6 مليون طن - لا يُستهلك ولا يصل إلى 1.4 مليون شخص الذين يعيشون تحت خط الفقر. وهذا يعني أن الطعام المهدر كان يمكن أن يساعد جمهوراً كبيراً في الحصول على طعام متنوع وصحي. مؤتمر "الاستدامة والمجتمع لسنة 2024"، الذي عُقد مؤخراً في المركز الأكاديمي روبين بالتعاون مع مركز "هيشل" للاستدامة، اقترح طريقة للتعامل مع هذا التحدي، وهي "المجتمعات المحلية".
ترأس الندوة التي تناولت الابتكار المجتمعي للحد من هدر الطعام وتعزيز الأمن الغذائي الدكتور زوهر برنت-يتسحاقي، رئيس مجموعة أبحاث الاستدامة البيئية والاجتماعية في المركز الأكاديمي روبين وخريج برنامج ممشاك. بحسبه "يشكل المجتمع عنصراً هاماً في نجاح فعاليات إنقاذ الطعام"، حيث تعتبر المجتمعات المحلية أداة رئيسية في خلق حلول محلية للقضايا التي تنطوي على اعتبارات بيئية واقتصادية-اجتماعية.
المجموعات التي تعمل في مجال الحفاظ على البيئة لديها حساسية ثقافية وارتباط عميق مع الطبيعة. في مقال تم نشره السنة الماضية في مجلة "الإيكولوجيا والبيئة" تمت دعوة المجتمعات المحلية التي تعتبر القوة المحرّكة وحجر الأساس، الى" تعزيز المواطنة البيئية ولتقوية العمل الاجتماعي الفعال"، أي أنه عندما يفهم أفراد المجتمع أضرار هدر الطعام ويحاربون هذه الظاهرة معًا، فإنهم يبنون ثقة فيما بينهم ويعيدون تحديد الأعراف داخل المجتمع. الأمر ليس سهلاً أو بسيطًا، ولكن كما أظهر المجتمعان اللذان تم عرض قصتهما المعقدة في المؤتمر، فهو ممكن وله تأثير كبير.
في شارع ديزنغوف في تل أبيب، يعمل مشروع ثلاجة مجتمعية يسمى "ديزيفريدج"، حيث يجلب المتطوعون إلى الثلاجة بقايا الطعام من أصحاب مصالح وأسواق. بحسب المهندس الزراعي ورائد الأعمال البيئي بار طال، الذي شارك في إنشاء المشروع، فإن صور الطعام الملقى في القمامة هي "مشهد لا يُحتمل". ويقول برنت-يتسحاقي أن مبادرات مماثلة للثلاجات الاجتماعية موجودة في جميع أنحاء البلاد. حيث يوضع البراد المجتمعي داخل حي أو منطقة، فيقوم الناس الذين لديهم فوائض طعام بإحضارها الى البراد المشترك، وبدل أن يتم رمي هذا الطعام، يقوم أشخاص آخرون محتاجون بالوصول إليه وأخذه من البراد.
مدينة كمثال يحتذى به
خلال أيام الكورونا، بدأ مشروع لإنقاذ الطعام في سوق بيتح تكفا - حيث كان يأتي المتطوعون أيام الجمعة قبل الإغلاق لجمع بقايا الطعام من التجار. ما يميز هذا المشروع ليس فقط الحد من هدر الطعام وتعزيز الأمن الغذائي، ولكن أيضاً بناء العلاقات الإنسانية. بحسب ما ذكره المتطوعان ساريت زيك حياط وشموئيل أبراموف، يخدم هذا المشروع بالمعدّل 30 زبونًا في الأسبوع من خلال 10 متطوعين. يأتي الزبائن والمتطوعون من مجموعات سكانية مختلفة ومتنوعة - هناك متطوعون يعملون من منطلق أيديولوجي للحد من هدر الطعام ومتطوعون يعانون من انعدام الأمن الغذائي، وهناك زبائن من كبار السن والقادمين الجدد والعمال الأجانب وغيرهم.
يقول بورنيت يتسحاق، أن هدر الطعام يحدث بثلاث مستويات: بين المزارعين - عن طريق تدمير المنتجات التي لا يجدي تسويقها، وفي شبكات التسويق والمصالح التجارية - عن طريق التخلص من المنتجات ذات تاريخ الانتهاء القصير، أو التي شكلها غير جذاب أو تلك ذات التغليف التالف، وبين المستهلكين - الذين يشترون منتجات لا يقومون باستخدامها. وإذا كان المثال من الثلاجة في تل أبيب يُظهر كيف يمكن للمستهلكين أن يتحدوا في مجتمع مستدام حول هدف الحد من هدر الطعام، فمن الممكن معالجة المشكلة في مراحل أخرى أيضا. على سبيل المثال، إحدى مشاكل المتاجر هي المنتجات ذات تاريخ انتهاء القصير. وعلى الرغم من أن "هذا نادرا ما يحدث في البلاد، لكن في الخارج توجد سلاسل تسويق ومتاجر حيث يتم تخصيص مناطق للمنتجات ذات فترة صلاحية قصيرة، والتي يتم دفع أموال أقل مقابلها، على سبيل المثال، هناك خصم كبير على الأجبان ذات مدة صلاحية قصيرة، بحيث يفضل المستهلك الذي يرغب في استهلاك المنتج في نفس اليوم أن يدفع مبلغًا أقل مقابل استخدام منتج صالح للاستعمال، ويضيف بورنيت يتسحاك، أن هذا ليس منطقيًا فحسب، بل يخلق أيضًا ربحًا اقتصاديًا كبيرًا، وبهذه الطريقة سيتمكن المستهلكون من الشراء بسعر رخيص وستتمكن الشركات من بيع المزيد من المنتجات.
سائرون نحو القمامة
في إسرائيل، هناك "عدم كفاءة مروعة فيما يتعلق بإتلاف الطعام وإلقائه في القمامة"، كما يقول بورنيت يتسحاقي. والمأساة هي أنه في كثير من الحالات يتم استثمار الكثير من الموارد والطاقات والعمل في زراعة ونقل الطعام الذي ينتهي به المطاف إلى القمامة. يستشهد برنت يتسحاقي بمحاصيل القمح كمثال، وبحسبه فإن رغيف الخبز الواحد يتطلب 1.4 متر مربع من الأرض. علاوة على ذلك، يصل استهلاك القمح من المياه إلى حوالي 2000 لتر للكيلو الواحد. ويوضح قائلاً: "إن حقيقة أننا ننقل مثل هذه الكميات الكبيرة من الطعام التي يتم التخلص منها، تتسبب في أضرار بيئية كبيرة كان من الممكن تجنبها"، على سبيل المثال بسبب انبعاثات غازات الدفيئة وملوثات الهواء نتيجة عملية النقل.
حتى بالنسبة لمثل هذا الضرر الذي يحدث دون جدوى، يقترح برنت يتسحاقي، أنه من الممكن جني بعض الفائدة الاقتصادية. وجاء في التقرير السنوي لجمعية "ليكيت يسرائيل" أن قيمة الطعام المهدر في إسرائيل تبلغ حوالي 23 مليار شيكل سنويا، ووفقا للتقديرات فإن هذا يشمل أغذية صالحة للأكل بقيمة 8 مليارات شيكل يتم التخلص منها أيضا لمعالجة تكاليف النفايات الزائدة بحوالي 1 مليار شيكل سنويًا، بالإضافة لحوالي 5 مليار شيكل أخرى تتعلق بالنفقات الصحية الزائدة الناتجة عن انعدام الأمن الغذائي، تقدر "ليكيت يسرائيل" أن الدولة يمكن أن توفر ما يقرب من 13 مليار شيكل سنويًا عن طريق سياسات تهدف الى تقليل هدر الطعام.
ونظراً للوضع الأمني والاقتصادي، تواجه إسرائيل تكاليف باهظة، وتعتمد على استيراد المواد الغذائية، خاصة فيما يتعلق بالحبوب والبقوليات التي لا تتم زراعتها في البلاد. وتقع حوالي 30% من المناطق الزراعية في إسرائيل بالقرب من مناطق القتال في الشمال والجنوب، لذلك تضاعفت خسائر الإنتاج الزراعي خلال الحرب، وارتفعت أسعار الفواكه بنسبة %8 والخضروات بنسبة %14. ونتيجة لذلك، ضعفت القدرة على استهلاك الغذاء الصحي، خاصة لدى الفئات الضعيفة ذات الدخل المحدود. يقول برنت يتسحاكي "للنجاح في المهمة، هناك حاجة إلى مجتمع، وقيادة محلية، ومبادرة، وتفكير ورؤية كي نقلل من هدر الطعام". ويخلص إلى أنه "في هذه الحالة، عندما تفشل الدولة أو تمتنع عن القيام بواجبها، يمكن لأفراد المجتمع أن يبادروا وينجحوا".
* تم إعداد المقال من قبل زاڤيت - وكالة الأنباء التابعة للجمعية الإسرائيلية للإيكولوجيا وعلوم البيئة
من هنا وهناك
-
‘ الثّورة والفوضى والرّجل القويّ ‘ - بقلم: المحامي يحيى دهامشة
-
يوسف أبو جعفر من رهط يكتب : لص صغير - أسد كبير
-
المحامي زكي كمال يكتب : سوريا .. خيارات قاتمة حلوُها مرٌّ كالعلقم
-
د. سهيل دياب من الناصرة يكتب : الخيارات الفلسطينية امام الاستراتيجيات الاسرائيلية !
-
‘كلمة بحق المرحوم جبران يعقوب شقور ‘ - بقلم : د . غزال أبو ريا
-
‘سلوكيات الناس‘ - بقلم : د. غزال أبو ريا
-
أحوال الأسيرات الفلسطينيات في كتاب ‘زهرات في قلب الجحيم‘ - بقلم : فراس حج محمد
-
‘ المسرح والتمثيل كاسلوب تعليمي ‘ - بقلم : خيرالله حسن خاسكية
-
بروفيسور أسعد غانم يكتب : رسالة الى الفيلسوف السوري-الفلسطيني د. يوسف سلامة (رحمك الله)
-
وجهة نظر حول مقال د. غزال أبو ريا ‘العطاء قيمة جوهرية في المجتمع‘ - بقلم: صالح أسدي
أرسل خبرا