اليمين الإسرائيليّ سيتيقّن أنّ ترامب يعرف من أين تؤكل الكتف!
24-01-2025 09:35:38
اخر تحديث: 24-01-2025 12:27:00
رغم المسافة الهائلة جغرافيًّا وقوامها آلاف الكيلومترات، والزمنيّة التي بلغت نحو ثلاثين ساعة، التي فصلت بين مراسم تنصيب دونالد ترامب رئيسًا للولايات المتحدة خلفًا لسلفه جو بايدن،
المحامي زكي كمال - تصوير: قناة هلا وموقع بانيت
وبين إطلاق سراح الرهائن الثلاث الأوائل ضمن صفقة تبادل الأسرى والرهائن بين إسرائيل وحركة "حماس" ووقف إطلاق النار بموجبها، دون أن يفصل بينهما السياق، بل ربطتهما وبعرًى وثيقة الأحداث والتطوّرات والمستجدّات، وإن كان البعض يحاول دفن رأسه في الرمال متجاهلًا الحقيقة لأغراض سياسيّة ضيّقة، أو رغبة في أن يعزّي النفس بالتمني حزبيًّا أو إعلاميًّا، وخاصّة سياسيًّا، فخطاب التنصيب للرئيس الجديد حمل في طيّاته رسائل هامّة، يعتبرها البعض البشرى، لكنها في نظر كثيرين في إسرائيل وتحديدًا في معسكر اليمين، ومعها تصرفات سبقت التنصيب سنعرج عليها، تشكّل إشارة ربما إلى أن الموجود يختلف عن المنشود ، وأقصد بالموجود السياسة التي يتحدّث ترامب عنها، وتحديدًا قوله إن العهد الذهبيّ للولايات المتحدة قد بدأ، وأنه سيكون صانع سلام ينهي الحروب، ويبحث عن الوحدة والاتحاد، مؤكّدًا أن قوّة بلاده سيتمّ قياسها وفق عدد الحروب التي تمنعها، أو التي لا تشارك فيها، في رسالة واضحة وضوح الشمس تختلف عن المنشود، أو المأمول والمتوقّع، تشير إلى أنه من المرجّح، أن السياسة التي يريدها ترامب منذ تنصيبه، وأرادها قبل تنصيبه، بل إنه أجبر رئيس الوزراء بنيامين نتنياهو على تطبيقها وأولها الموافقة على صفقة إطلاق سراح الرهائن، أو التبادل ووقف الحرب حتى لو لستة أسابيع هي المرحلة الأولى، تتعارض مع رغبات اليمين، بل تتعارض وما يريده نتنياهو، وتخالف حديثه حول "النصر المطلق"، ورفض وقف النار والإيمان" بأن ما لم يتم تحصيله بالقوة سيتم تحصيله بمزيد من القوّة" أي قوله إن الضغط العسكريّ هو الضمان الوحيد لاستعادة الرهائن الإسرائيليّين، بل إنه يقترب حتى من سياسة المعسكر المعتدل في إسرائيل، الذي يوصي، بل يطالب بإعادة الرهائن كمهمة أولى من حيث الأهميّة، والحفاظ بعدها على إمكانيّة استئناف الحرب والقتال، كما أنه يناقض سياسة اليمين الإسرائيليّ الذي صلَّى وابتهل لفوز ترامب، متوسّمًا في ذلك الخير والنجاح من جهة، ووصفة مؤكّدة لإطلاق العنان لسياسات وتوجّهات اليمين ورغباته التي تبدأ بمواصلة الحرب في غزة دون توقف ، وحتى ترفع" حماس" الراية البيضاء مستسلمة خاضعة، وصولًا إلى سيطرة إسرائيليّة دائمة على القطاع وإعادة الاستيطان اليهوديّ فيه، دون التفكير في اليوم التالي للحرب. أما في الضفة الغربية فيشمل ذلك تحييد السلطة الفلسطينيّة خاصّة وأن ترامب كان عام 2018 قد أقدم، على إغلاق مكتب منظمة التحرير بواشنطن بسبب إصرار السلطة الفلسطينيّة على محاسبة المسؤولين الإسرائيليّين في المحكمة الجنائيّة الدوليّة، والسماح باستيطان متواصل، وربما سيطرة تامّة تنفيذًا لخطة نتنياهو من العام 2019، لكن ما حدث كان مختلفًا تمامًا.
اتفاق تبادل الرهائن الإسرائيليّين والسجناء الفلسطينيّين والذي قبله نتنياهو على مضض، وبعد أن راهن لأشهر طويلة على المماطلة ورفض الاقتراح الأمريكيّ منذ نهاية أيار 2024، مراهنًا على وصول ترامب للسلطة حتى يحصل على الانتصار السياسيّ المتمثّل في تحقيق كافّة الأمور السالفة، لكن موقف الرئيس الأمريكيّ المنتخب، والذي نقله دون رتوش ودون مجاملات مبعوثه إلى الشرق الاوسط ستيف ويتكوف، ما أجبره على قبول الاتفاق نفسه، والذي رفض قبوله منذ أيار، وهو ما دفع حتى أقرب المقرّبين من نتنياهو إلى القول إن الاتفاق الحاليّ بمراحله المتعدّدة ، وهي ربما تنذر باحتمالات فشله، أو يستخدمها نتنياهو لإقناع معارضيه خاصّة وزير الماليّة بتسلئيل سموتريتش، أن الحرب لم تنته بعد، يشكّل فشلًا في مشروع الحكومة واليمين الإسرائيليّ ككل، والذي كان يراهن على استمرار الحرب بموافقة من ترامب وربما دعم له، علمًا أنه من الواضح اليوم أن الضغوط السياسيّة قد أعاقت اتخاذ قرارات عقلانيّة، ومنها ربما وكما اعترف وزير الأمن القوميّ المستقيل إيتمار بن غفير، توقيع صفقة تبادل للرهائن والسجناء، خاصّة بعد إعلان ترامب أنه إذا لم يتم اطلاق سراح الرهائن ووقف الحرب، فإن الجحيم بانتظار الجميع، (إسرائيل فهمت ذلك على أن الجحيم بانتظار غزة وحركة "حماس" فقط)، واحتلال شمال القطاع، وهو ما لم يتحقّق وبالتالي جاء الاتفاق ليؤكّد أن نتنياهو تراجع فيه عن أمور وشروط كان اليمين يعتبرها خطوطًا حمراء، وهي إطلاق سراح السجناء الفلسطينيّين، وإجبار "حماس" على الاستسلام، والانسحاب من القطاع والتراجع عن فكرة الاستيطان فيه، وهو ما سيحدث هزّة داخل اليمين، ناهيك عن أن هذه الموافقة وبهذه الشروط أثارت عددًا كبيرًا من الأسئلة والتساؤلات منها لماذا يوافق نتنياهو على هذه الصفقة اليوم بينما رفضها سابقًا؟ وماذا ماذا لو تمكّنت الولايات المتحدة (أو حتى ترامب المرشح الرئاسيّ حينها والذي كان فوزه واضح المعالم منذ حزيران الماضي) من فرض الصفقة على نتنياهو في أيار، وكم عدد المختطفين الذين كان سيتم إنقاذهم، وكم من المعاناة الإنسانيّة كان يمكن تجنّبها، وكم الدمار في غزة الذي أمكن تفاديه؟ كم عدد الجنود الإسرائيليّين الذين كانوا سيبقون على قيد الحياة؟ وكلّها أسئلة مشروعة وهامّة، تنتظر الإجابة عنها، لكن نتيجتها واحدة، وهي أن ترامب وقبل أن يدخل البيت الأبيض، استطاع أن يجعل القادة الآخرين كلّهم، يلعقون جراحهم ويبدون بصورة سيئة وضعيفة، بل مهزومة، وأولهم جو بايدن الرئيس الأمريكيّ المنتهية ولايته، والذي رغم سخائه المفرط في دعم إسرائيل عسكريًّا وسياسيًّا، ومنذ اليوم الأول للحرب، رغم ما قابله به نتنياهو وحكومته من تعنّت واستهتار وتجاهل ورفض لمقترحاته، بل ربما اتهامه بأنه ونائبه كامالا هاريس خاصّة يريدون مصلحة الفلسطينيّين، ومن هنا جاءت الصلوات اليمينيّة بأن تنتهي انتخابات الرئاسة إلى فوز دونالد ترامب، وهذا ما جعله يبدو وبحقّ، ضعيفًا وغير فعّال في مواجهة إسرائيل، وثانيهم نتنياهو الذي جعلته الصفقة يبدو ضعيفًا يتنازل عن خطوطه الحمراء، السياسيّة والأمنيّة وفي مقدّمتها قضية محور فيلادلفيا ، وكذلك الوسطاء الآخرون وتحديدًا مصر وقطر ، وفوق ذلك حركة "حماس" التي تجاهلت بايدن، لكنها تفهم كما غيرها أن لا مجال ولا مكان لتجاهل دونالد ترامب، فترامب رجل الأعمال لا يهمّه سوى ترامب، ولا يرضى إلا بتحصيل ما يريد، وأن يكون الرابح دائمًا، ومن هنا فإن الظروف التي رافقت الصفقة والتي أدّت إليها، وما رافقها من حديث عن تطبيع محتمل بين إسرائيل والسعوديّة، يمكِّن السعوديّة من تحصيل إنجازات، يجعلها تقبل به حتى لو لم يضمن أو تسبقه إقامة كيان فلسطينيّ، يشير ربما إلى أن موافقة نتنياهو وحتى "حماس" على الاتفاق تعني بداية عهد جديد "وصل الحي فيه قائد وزعيم لا يهادن"، وبداية ظاهرة إقليمية تتمثّل في الرغبة في إرضائه حتى لو كان ذلك يتطلّب، أو يستوجب تقديم التضحيات والتنازلات.
إسرائيليًّا يجزم المراقبون، على أنه من المؤكّد أن ترامب لم يستجب لصلوات اليمين الإسرائيليّ، وأنه لم يتغير فهو شخص غير متوقّع، يقول ويفعل ما يؤمن به، خاصّة وأنه في فترته الرئاسية الثانية، وبالتالي لا حاجة لإرضاء أحد، ومن هنا يبدو التنافر والتناقض الغريب بين سلوك ترامب خلال الحملة الانتخابيّة وسلوكه بعد دخول البيت الأبيض، فهو يريد الإنجازات لنفسه. وهذا ما يؤكّده تصريحه خلال خطاب التنصيب" أنه حتى قبل دخوله البيت الأبيض تمكّن من إعادة الرهائن إلى بيوتهم ووقف الحرب"، ومن هنا جاء ترحيب معارضيه في إسرائيل به، باعتبار خطوته الأولى فاجأتهم إيجابيًّا، بينما يشعر اليمين وكلّ أعضائه تلقائيًّا من مناهضي الديمقراطيّين وأنصار ترامب، بخيبة الأمل والإحباط وحتى الخيانة، جراء مواقف ذلك الرئيس الذي اعتبروه" "الحاكم" الجديد والوحيد في العالم، وصديق إسرائيل، بل أكثر من ذلك، وصديق سابق لنتنياهو على الخير أن يكدّ ويجتهد لكسب ثقته مجدّدًا، والذي اعتبروه أنه يجيد استخدام الضغط والقوّة والعقوبات الاقتصاديّة وغيرها، ويجيد الحديث إلى الشرق الأوسط، أو لغة الشرق الأوسط، لكنهم اكتشفوا وقبل بداية ولايته أنه أكثر من يفهم اليمين في إسرائيل وأكثر من يفهم بنيامين نتنياهو، وأنه يعرف كيف يتحدّث إلى بنيامين نتنياهو، والإشارة الأولى والواضحة كانت ذلك الشريط الذي سرّبه وفيه يتهم أحد مقرّبيه، بنيامين نتنياهو أنه حاول ويحاول جرّ أمريكا إلى حرب إقليميّة، وهذا النصف الأول من الجملة، أما نصفها الثاني فهو قوله إن قوة وعظمة بلاده قوامها الحروب التي تنهيها، وتلك التي تمتنع عن خوضها، ومن هنا يسود التخوّف في بعض أوساط اليمين أن ترامب، إذا ما اعتقد أن تحسين العلاقات مع السعوديّة، يستوجب منع الاستيطان في الضفة الغربيّة، أو خطوات أخرى انتظر اليمين شيكًا على بياض فيها، فإنه سيعمل بما يرتضيه غير آبه بطموحات ورغبات اليمين الإسرائيليّ في الضفة الغربيّة ، التي ستتراجع طبعًا أمام موقف ترامب، كما قال المدير السابق بوكالة المخابرات المركزيّة الأمريكيّة برنارد هادسون مشيرًا إلى أن ترامب يضع أولًا وقبل كلّ شيء مصالح ترامب والولايات المتحدة نصب عينيه بما في ذلك في الشرق الأوسط، بخلاف إدارة بايدن، التي اتسمت سياستها في الشرق الأوسط منذ اندلاع الحرب بالقبول التام لما تقرّره إسرائيل وما تريده، وفقدان القدرة على التأثير.
"مواقفه تشكّل هزيمة"
مواقف ترامب التي بدت منذ اليوم الأول تشكّل الدليل على أنه يريد الهدوء في الشرق الأوسط، ويرفض الحرب كما أنه يرفض أن تحاول إسرائيل، كما يؤمن ترامب نفسه، جرّ الولايات المتحدة إلى حرب إقليميّة مع إيران، وبالتالي فإن مواقفه تشكّل هزيمة، أو انتكاسة حاليّة على الأقلّ قد تتحوّل إلى نهج ثابت، بل يبدو أنها ستصبح كذلك، لكافّة المواقف والتوجّهات المتطرّفة، فهي ضربة لمن أراد في إسرائيل مواصلة الحرب في غزة دون تحقيق أو تحديد ما بعد الحرب، أو ذلك التي اعتقد أن ترامب سينتهج نهج جو بايدن، الذي منح إسرائيل السلاح دون حساب، دون أن يطالبها بشيء، ودون أن ينجح في الحصول على أبسط ما يخدم مصالح أمريكا وهي كثيرة ومتشعّبة في الشرق الأوسط. كانت الحرب في قطاع غزة السبب في تأجيلها وتأخيرها، أو عدم تنفيذها، والاستيطان هناك، بل إنه ينظر ربما إلى الاستيطان في لبنان وتوسيع السيطرة الإسرائيليّة في الجولان، لإيران التي اعتقدت أنه بإمكانها مواصلة ممارسة الضغط على "حماس" ومنعها من قبول الشروط المعروضة لاتفاقيّة تبادل الرهائن مع إسرائيل، والمماطلة في ذلك، ومحاولة عدم الاستجابة للوساطة القطريّة والمصريّة، لتكتشف أنه لا يمكن رفض الاستجابة لطلبات وربما حتى إملاءات الحاكم الجديد في المنطقة، وضربة لروسيا خاصّة وأن الجزء الأول من الصفقة على الأقلّ تجاهل وجود مواطن يحمل الجنسيّة الروسيّة بين الرهائن، وهو دليل على أن إدارة ترامب الجديدة ترفض التطرف والتعنّت والمغالاة الدينيّة والعسكريّة والسياسيّة إلا إذا كانت صادرة عنها نفسها، كما أنها ضربة للحوثيّين الذين تعرّضوا منها إلى ضربات ستتواصل وتتعاظم دون علاقة بما إذا كانت هناك صواريخ قد أطلقت باتجاه إسرائيل أم لا، وهو باختصار ضربة لمن احتفل بفوز ترامب في المنطقة معتقدًا أن ترامب لم يتغيّر، وأنه سيواصل تنفيذ تعليمات المسيحيّين الافنجيليّين، حتى لو كانت تعارض مصالح الولايات المتحدة الاقتصاديّة والسياسيّة والعسكريّة، وملخّصها أن ترامب يريد أن يعيد للولايات المتحدة عصرها الذهبيّ، وأن يجعلها الدولة العظمى الوحيدة، مستعينًا بعلاقاته الشخصيّة بأصحاب رؤوس الأموال الذين كان حضورهم بارزًا في مراسم التنصيب، وفي مقدّمتهم ألون ماسك ( تويتر وتيسل) ومارك تسوكربرغ ( فيسبوك ) وجيف بيزوس (أمازون) وساندر بيتشاي (غوغل)، وغيرهم وغيرهم، ومن هنا ربما جاء اتصاله الأول بعد التنصيب بالرئيس الروسيّ فلاديمير بوتين في مسعًى لوقف الحرب في أوكرانيا، وإعلانه ردًّا على سؤال صحفيّ بعد التنصيب ، أن الزيارة الاولى عادة ما تكون إلى المملكة المتحدة، لكنه قد يغيّر وجهتها إلى العربية السعوديّة إذا ما كان ذلك سيضمن صفقة أسلحة بقيمة 480 مليار دولار كما في الفترة الرئاسيّة السابقة، دون أيّ ذكر للشؤون الإقليميّة والشرق أوسطيّة، أو التطبيع أو غيره.
" الصفعة الكبرى "
ولكن، يبدو أن الصفعة الكبرى كانت من نصيب اليمين في إسرائيل، الذي اعتبر ترامب المنقذ المخلّص لأحلام اليمين وأطماعه في الضفة الغربية وغزة وربما أوسع من ذلك، وأشير هنا إلى الخريطة التي نشرها المستوطنون واليمينيون واعتبرت أجزاء من المملكة الأردنيّة الهاشميّة، على أنها جزء من أرض إسرائيل الكبرى، لكن الواقع كان غير ذلك، "فالهدية الأولى" من ترامب كانت الاتفاقيّة بين إسرائيل و"حماس" والتي تنازلت إسرائيل فيها عن 90% من شروطها التي وضعتها خلال التفاوض حول الاتفاقيّات السابقة في أيار 2024، واعتبرتها خطوطًا حمراء فاقعة، وأعاقت أيّ تقدّم في السابق . أما من أوقف إطلاق النار في غزة فليس قطر ولا نتنياهو، بل ترامب، الذي هلّل له اليمين الإسرائيليّ وكبَّر مفتونًا بتعنّته وتطرّفه وأحيانًا فاشيّته ضدّ الأقليات والمثليّين والمهاجرين وغيرهم، وإسراعه إلى التهديد والوعيد والتلويح بالسلاح كما في الغرب المتوحّش، ليتضح أنه "حمامة سلام" برتقاليّة الشعر وغريبة الأطوار، لا تطيق الانتظار ولا تتحمّل عناء تأجيل الاكتفاء، أو تحقيق الرغبات، وبالتالي فإن ترامب حتى الآن يخيّب آمال اليمين المتطرّف، وهو ما جعل المعلّقين المؤيّدين لنتنياهو خاصّة في القناة 14، يؤكّدون غضبهم وإعادتهم النظر في تأييدهم لترامب وإعادته بلغتهم إلى خانة "موضع الشكّ". ومن هنا سيكون من الأهمّ، بل المهمّ والمثير متابعة ردود اليمين في إسرائيل، ومن المؤكّد أن اليمين يدرك اليوم أن ترامب هو الذي سيحبط نوايا استمرار الحرب في غزة والنوايا الاستيطانّية هناك. وهو من سيدفع التطبيع مع السعوديّة مقابل اعتراف إسرائيل بالدولة الفلسطينيّة في الضفة الغربيّة، وليس من المستبعد أن يصبح مكروهًا من اليمين، الذي أيّد انتخابه بحماس وتمنّى ذلك كمن ينتظر قدوم المنقذ والمخلِّص، وسيكون من المثير للاهتمام إذا ما تبين أنه المنقذ للحلّ السياسيّ للقضيّة الفلسطينيّة، وهو ما يقول كثيرون أن ترامب إذا ما فعله فإنه سينقذ إسرائيل من نفسها ويمنع الضمّ، فهو المنقذ الذي ظهر فقط للمختطَفين، ولأفراد عائلاتهم وللفلسطينيّين في غزة، بل لإسرائيل وقيمها حتى أن بعض المراقبين قالوا إن الصفقة التي فرضها ترامب عنوة، هي عودة القيم الإنسانيّة المعتدلة والليبراليّة التي تريد الوحدة والسلام والهدوء، وهي التي تخدم ترامب، وليس تكريس تطلّعات اليمين الاستيطانيّ وأطماعه الإقليميّة والسياسيّة والدينيّة، والأيّام القريبة كفيلة بالردّ..
ولكن، يبدو أن الصفعة الكبرى كانت من نصيب اليمين في إسرائيل، الذي اعتبر ترامب المنقذ المخلّص لأحلام اليمين وأطماعه في الضفة الغربية وغزة وربما أوسع من ذلك، وأشير هنا إلى الخريطة التي نشرها المستوطنون واليمينيون واعتبرت أجزاء من المملكة الأردنيّة الهاشميّة، على أنها جزء من أرض إسرائيل الكبرى، لكن الواقع كان غير ذلك، "فالهدية الأولى" من ترامب كانت الاتفاقيّة بين إسرائيل و"حماس" والتي تنازلت إسرائيل فيها عن 90% من شروطها التي وضعتها خلال التفاوض حول الاتفاقيّات السابقة في أيار 2024، واعتبرتها خطوطًا حمراء فاقعة، وأعاقت أيّ تقدّم في السابق . أما من أوقف إطلاق النار في غزة فليس قطر ولا نتنياهو، بل ترامب، الذي هلّل له اليمين الإسرائيليّ وكبَّر مفتونًا بتعنّته وتطرّفه وأحيانًا فاشيّته ضدّ الأقليات والمثليّين والمهاجرين وغيرهم، وإسراعه إلى التهديد والوعيد والتلويح بالسلاح كما في الغرب المتوحّش، ليتضح أنه "حمامة سلام" برتقاليّة الشعر وغريبة الأطوار، لا تطيق الانتظار ولا تتحمّل عناء تأجيل الاكتفاء، أو تحقيق الرغبات، وبالتالي فإن ترامب حتى الآن يخيّب آمال اليمين المتطرّف، وهو ما جعل المعلّقين المؤيّدين لنتنياهو خاصّة في القناة 14، يؤكّدون غضبهم وإعادتهم النظر في تأييدهم لترامب وإعادته بلغتهم إلى خانة "موضع الشكّ". ومن هنا سيكون من الأهمّ، بل المهمّ والمثير متابعة ردود اليمين في إسرائيل، ومن المؤكّد أن اليمين يدرك اليوم أن ترامب هو الذي سيحبط نوايا استمرار الحرب في غزة والنوايا الاستيطانّية هناك. وهو من سيدفع التطبيع مع السعوديّة مقابل اعتراف إسرائيل بالدولة الفلسطينيّة في الضفة الغربيّة، وليس من المستبعد أن يصبح مكروهًا من اليمين، الذي أيّد انتخابه بحماس وتمنّى ذلك كمن ينتظر قدوم المنقذ والمخلِّص، وسيكون من المثير للاهتمام إذا ما تبين أنه المنقذ للحلّ السياسيّ للقضيّة الفلسطينيّة، وهو ما يقول كثيرون أن ترامب إذا ما فعله فإنه سينقذ إسرائيل من نفسها ويمنع الضمّ، فهو المنقذ الذي ظهر فقط للمختطَفين، ولأفراد عائلاتهم وللفلسطينيّين في غزة، بل لإسرائيل وقيمها حتى أن بعض المراقبين قالوا إن الصفقة التي فرضها ترامب عنوة، هي عودة القيم الإنسانيّة المعتدلة والليبراليّة التي تريد الوحدة والسلام والهدوء، وهي التي تخدم ترامب، وليس تكريس تطلّعات اليمين الاستيطانيّ وأطماعه الإقليميّة والسياسيّة والدينيّة، والأيّام القريبة كفيلة بالردّ..
ختامًا، بالنسبة لترامب انتهت الحرب في غزة، ولم يعد لاستمرارها أيّ مبرّر، بخلاف مواقف اليمين الإسرائيليّ، وما يريده نتنياهو لأغراض بقائه السياسيّ، لكنّ الكلمة الأخيرة لن تكون لبتسلئيل سموتريتش ولا إيتمار بن غفير ولا حتى نتنياهو، بل لترامب الذي تتناغم تصريحاته مع مضمون إعلان استقالة رئيس هيئة الأركان العامّة للجيش الإسرائيليّ، الجنرال هرتسي هليفي، وتحديدًا موعد دخولها حيّز التنفيذ مطلع آذار القريب، وهو موعد انتهاء المرحلة الأولى من صفقة ترامب للتبادل، وإعلانه أنه امتنع عن الاستقالة قبل ذلك، طالما كان هناك مبرر لمواصلة الحرب سياسيًّا وعسكريًّا وأمنيًّا، والسؤال هنا إذن: هل سيكون أول آذار أو السادس منه، الموعد الذي يضطر نتنياهو فيه لاتخاذ القرار حول الاستجابة لضغوطات ترامب، أو ضغوطات سموتريتش وبن غفير وعميحاي شيكلي، أم أنه سيقرّر كما دائمًا وفي اللحظة الأخيرة الموافقة على إملاءات ترامب بعد مدٍّ وجزر، وبعد شدّ الحبل حتى يكاد ينقطع، أو شدّ شعرة معاوية حتى شفير الهاوية، ليتمكّن من القول بعدها إنه رفض التنازل وأصرّ على ضمان مصالح إسرائيل، لكنّه استجاب لمطلب الصديق الوفيّ لإسرائيل.. وباختصار نتنياهو أمام أحد خيارين فإما "تحالف" مع ترامب يصون أمن إسرائيل ومصالحها بعيدة المدى، أو "ائتلاف" يضمن كرسي نتنياهو ويشبع الرغبات اليمينيّة ويواصل التوتّر والحرب بمشاركة سموتريتش وعودة الابن الضال والغاضب بن غفير؟؟؟ وهل يفهم اليمين الإسرائيليّ بأن ترامب سيكون الحاكم الأوحد حتى لإسرائيل .
هذا المقال وكل المقالات التي تنشر في موقع بانيت هي على مسؤولية كاتبيها ولا تمثل بالضرورة راي التحرير في موقع بانيت .
يمكنكم ارسال مقالاتكم مع صورة شخصية لنشرها الى العنوان: bassam@panet.co.il
من هنا وهناك
-
د. منصور عباس .. خطاب يبعثر أوراق السياسة الإسرائيلية ويعيد تموضع المجتمع العربي رغم أنف محاولات الإقصاء
-
‘هل يطلّ علينا عام 2025 من نافذة التفاؤل ؟‘ - بقلم : معين أبو عبيد شفاعمرو
-
‘ حتى نلتقي درويش ومطر ‘ - بقلم : يوسف أبو جعفر
-
المحامي زكي كمال يكتب : ليس هناك خطأ أكبر من عدم الاعتراف بالخطأ !
-
د. جمال زحالقة يكتب : بعض تطوّرات 2024 - غزّة وأمور أخرى
-
من أجل الجيبة والبيئة والمجتمع: كيف نقلّص من هدر الطعام ؟
-
مقال: ‘حتى نلتقي .. مطر وشوك‘ - بقلم : يوسف أبو جعفر
-
المحامي زكي كمال : هل إذا صمتت المدافع يعلو صوت الفقراء؟
-
كمال إبراهيم يكتب : الحرب التي لا تنتهي
-
‘ التسامح لغة السعادة ‘ - بقلم: د . غزال أبو ريا
أرسل خبرا